كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه والحسن ومسلمة بن محارب {فدمراهم} على الأمر لموسى وهرون عليهما السلام.
وعن علي كرم الله تعالى وجهه أيضًا كذلك إلا أنه مؤكد بالنون الشديدة، وعنه كرم الله تعالى وجهه {فدمرا} أمرا لهما بهم بباء الجر وكأن ذلك من قبيل.
تجرح في عراقيبها نصلي

وحكى في الكشاف عنه أيضًا كرم الله تعالى وجهه {فدمرتهم} بتاء الضمير {تَدْمِيرًا وَقَوْمَ نُوحٍ} منصوب بمضمر يدل عليه قوله تعالى: {فدمرناهم} أي ودمرنا قوم نوح، وجوز الحوفي وأبو حيان كونه معطوفًا على مفعول فدمرناهم.
ورد بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبًا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح عطفه عليه.
وأجيب بأن ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه لاسيما وقد بين سببه بقوله تعالى: {وَقَوْمَ نُوح} منصوب بمضمر يدل عليه قوله تعالى: {فدمرناهم} [الفرقان: 36] أي ودمرنا قوم نوح، وجوز الحوفي وأبو حيان كونه معطوفًا على مفعول {فدمرناهم}.
ورد بأن تدمير قوم نوح ليس مترتبًا على تكذيب فرعون وقومه فلا يصح عطفه عليه.
وأجيب بأنه ليس من ضرورة ترتب تدميرهم على ما قبله ترتب تدمير هؤلاء عليه لاسيما وقد بين سببه بقوله تعالى: {لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ} أي نوحًا ومن قبله من الرسل عليهم السلام أو نوحًا وحده فإن تكذيبه عليه السلام تكذيب للكل لاتفاقهم على التوحيد أو أنكروا جواز بعثة الرسل مطلقًا، وتعريف الرسل على الأول عهدي، ويحتمل أن يكون للاستغراق إذ لم يوجد وقت تكذيبهم غيرهم، وعلى الثاني استغراقي لكن على طريق المشابهة والادعاء، وعلى الثالث للجنس أو للاستغراق الحقيقي، وكأن المجيب أراد أن اعتبار العطف قبل الترتيب فيكون المرتب مجموع المتعاطفين ويكفي فيه ترتب البعض.
وقيل: المقصود من العطف التسوية والتنظير كأنه قيل: دمرناهم كقوم نوح فتكون الضمائر لهم والرسل نوح وموسى وهرون عليهم السلام ولا يخفى ما فيه.
واختار جمع كون منصوبًا باذكر محذوفًا، وقيل: هو منصوب بمضمر يفسر قوله تعالى: {أغرقناهم} ويرجحه على الرفع تقدم الجمل الفعلية.
ولا يخفى أنه إنما يتسنى ذلك على مذهب الفارسي من كون لما ظرف زمان وأما إذا كانت حرف وجود لوجود فلا لأن {أغرقناهم} حينئذ يكون جوابًا لها فلا يفسر ناصبًا.
ولعل أولى الأوجه الأول، و{أغرقناهم} استئناف مبين لكيفية تدميرهم كأنه قيل: كيف كان تدميرهم؟ فقيل: أغرقناهم بالوفان {وجعلناهم} أي جعلنا إغراقهم أو قصتهم {لِلنَّاسِ ءايَةً} أي آية عظيمة يعتبر بها من شاهدها أو سمعها وهو مفعول ثان لجعلنا و{لِلنَّاسِ} متعلق به أو متعلق بمحذوف وقع حالًا من {ءايَةً} إذ لو تأخر عنها لكان صفة لها {وَأَعْتَدْنَا للظالمين عَذَابًا أَلِيمًا} أي جعلناه معدًا لهم في الآخرة أو في البرزخ أو فيهما.
والمراد بالظالمين القوم المذكورون، والإظهار في موقع الإضمار للإيذان بتجاوزهم الحد في الكفر والتكذيب أو جميع الظالمين الذين لم يعتبروا بما جرى عليهم من العذاب فيدخل في زمرتهم قريش دخولًا أوليًا ويحتمل العذاب الدنيوي وغيره.
{وَعَادًا} عطف على {قَوْمُ نُوحٍ} [الفرقان: 37] أي ودمرنا عادًا أو واذكر عادًا على ما قيل، ولا يصح أن يكون عطفًا إذا نصب على الاشتغال لأنهم لم يغرقوا.
وقال أبو إسحاق هو معطوف على هم من {جعلناهم لِلنَّاسِ ءايَةً} [الفرقان: 37] ويجوز أن يكون معطوفًا على محل {الظالمين} [الفرقان: 37] فإن الكلام بتأويل وعدنا الظالمين اه ولا يخفى بعد الوجهين {وَثَمُودَاْ} الكلام فيه وفيما بعده كما فيما قبله.
وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف على تأويل القبيلة، وروى ذلك عن حمزة وعاصم والمجهول بالصرف، ورواه عبد بن حميد عن عاصم على اعتبار الحي أو أنهم سموا بالأب الأكبر {وأصحاب الرس} عن ابن عباس هم قوم ثمود ويبعده العطف لأنه يقتضي التغاير، وقال قتادة: هم أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج قيل قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح، وقال كعب ومقاتل والسدي: أهل بئر يقال له الرس بأنطاكية الشام قتلوا فيها صاحب يس وهو حبيب النجار.
وقيل: هم قوم قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه، وقال وهب والكلبي: أصحاب الرس وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب، وكان أصحاب الرس قومًا من عبدة الأصنام وأصحاب آباء ومواش فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه عليه السلام فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية كما روى عن أبي عبيدة انهارت بهم وبدارهم، وقال علي كرم الله تعالى وجهه فيما نقله الثعلبي: هم قول عبدوا شجرة يقال لها: شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل، وقيل: هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير وكان فيها من كل لون وسميت عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتح وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد ولاتيانها بهذا الأمر الغريب سميت مغربًا، وقلي: لأنها اختطفت عروسًا، وقيل: لغروبها أي غيبتها، وقيل: لأن وكرها كان عند مغرب الشمس، ويقال فيها عنقاء مغرب بالتوصيف والإضافة مع ضم الميم وفتحها فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة فهلكت ثم أنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا، وقيل: هم قوم أرسل إليهم نبي فاكلوة، وقيل: قو نساؤهم سواحق وقيل: قوم بعث إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر، وقيل: هم أصحاب الأخدود والرس هو الأخدود وفي رواية عن ابن عباس أنه بئر أذربيجان.
وقيل: الرس ما بين نجران إلى اليمن إلى حضرموت.
وقيل: هو ماء ونخل لبني أسد.
وقيل: نهر من بلاد المشرق بعث الله تعالى إلى أصحابه نبيًا من أولاد يهوذا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانًا فشكا إلى الله تعالى منهم فحفروا له بئرًا وأرسلوه فيه وقالوا: نرجو أن ترضى عنا آلهتنا فكانوا عليه يومهم يسمعون أنين نبيهم فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأظلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص.
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحاب الرس أخذوا نبيهم فرسوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود قد آمن به يجيء بطعام إلى البئر فيعينه الله تعالى على تلك الصخرة فيرفعها فيعطيه ما يغذيه به ثم يرد الصخرة على فم البئر إلى أن ضرب الله عالى على أذن ذلك الأسود فناد أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به في حديث طويل ذكر فيه أن ذلك الأسود أول من يدخل الجنة وهذا إذا صح كان القول الذي لا يمكن خلافه لكن يشكل عليه إيرادهم هنا.
وأجاب عنه الطبري بأنه يمكن أنهم كفروا بعد ذلك فأهلكوا فذكرهم الله تعالى مع من ذكر من المهلكين، وملخص الأقوال أنهم قوم أهلكهم الله تعالى بتكذيب من أرسل إليهم {وَقُرُونًا} أي أهل قرون وتقدم الكلام في القرن {بَيْنَ ذلك} أي المذكور من الأمم، وللتعدد حسن بين من غير عطف {كَثِيرًا} يطول الكلام جدًا بذكرها، ولا يبعد أن يكون قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدارها، وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] ليس نصًا في نفي العلم بالمقدار كما لا يخفى.
وفي إرشاد العقل السليم لعل الاكتفاء في شؤون تلك القرون بهذا البيان الإجمالي لماأن كل قرن منها لم يكن في الشهرة وغرابة القصة بمثابة الأمم المذكورة.
{وَكُلًا} منصوب بمضر يدل عليه ما بعده فإن ضرب المثل في معنى التذكير والتحذير.
والمحذوف الذي عوض عنه التنوين عبارة إما عن الأمم التي لم تذكر أسباب إهلاكهم وإما عن الكل فإن ما حكى عن فرعون وقومه وعن قوم نوح عليه السلام تكذيبهم للآيات والرس لا عدم التأثر من الأمثال المضروبة أي ذكرنا وأنذرنا كل واحد من المذكورين {ضَرَبْنَا لَهُ الامثال} أي بينا لكل القصص العجيبة الزاجرة عما هم عليه من الكفر والمعاصي بواسطة الرسل عليهم السلام، وقيل: ضمير له للرسول عليه الصلاة والسلام.
والمعنى وكل الأمثال ضربناه للرسول فيكون {كَلاَّ} منصوبًا بضربنا {والأمثال} بدلًا منه عل أما في البحر، وفيه أنه أبعد من ذهب إلى ذلك، وعندي أنه مما لا ينبغي أن يفسر به كلام الله تعالى.
وقوله تعالى: {سليمان وَكُلًا} مقعول مقدم لقوله سبحانه: {تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} وتقديمه للفاصلة، وقيل: لإفادة القصر على أن المعنى كلالًا بعضًا، وتعقب بأن لفظ كل يفيد ذلك ويمكن توجيه ذلك بالعناية، وأصل التتبير التفتيت، قال الزجاج: كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته ومنه التبر لفتات الذهب والفضة.
والمراد به التمزيق والإهلاك أي أهلكنا كل واحد منهم إهلاكًا عجيبًا هائلًا لما أنهم لم يتأثروا بذلك ولم يرفعوا له رأسًا وتمادوا على ما هم عليه من الكفر والعدوان.
{وَلَقَدْ أَتَوْا} جملة مستأنفة مسوقة لبيان مشاهدة كفار قريش لآثار هلاك بعض الأمم المتبرة وعدم اتعاظهم بها وتصديرها بالقسم لتقرير مضمونها اعتناء به.
وأتى مضمن معنى مر لتعديه بعلي، والمعنى بالله لقد مر قريش في متاجرهم إلى الشام.
{عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء} وهي سذوم{مَطَرَ} على أنه مفعول ثان لأمطرت على معنى أعطيت أو أوليت أو على أنه مصدر مؤكد بحذف الزوائد أي إمطار السوء كما قيل في {أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17]، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة لمحذوف أي امطارًا مثل مطر السوء وليس بشيء.
وقرأ زيد بن علي مطرت ثلاثيًا مبنيًا للمفعول؛ ومطر مما يتعدى بنفسه.
وقرأ أبو السمال {مَطَرَ السوء} بضم السين {أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا} توبيخ علي تركهم التذكر عند مشاهدة ما يوجبه.
والهمزة لإنكار نفي استمرار رؤيتهم لها وتقرير استمرارها حسب استمرار ما يوجبها من إتيانهم عليها لا لإنكار استمرار نفي رؤيتهم وتقرير رؤيتهم لها، والفاء لعطف مدخولها على مقدر يقتضيه المقام أي ألم يكونوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها أو أكانوا ينظرون إليها فلم يكونوا يرونها في مرار مرورهم ليتعظوا بما كانوا يشاهدونه من آثار العذاب.
والمنكر في الأول النظر وعدم الرؤية معًا وفي الثاني عدم الرؤية مع تحقق النظر الموجب لها عادة كذا في إرشاد العقل السليم.
ولم يقل: أفلم يرونها مع أنه أخصر وأظهر قصدًا لإفادة التكرار مع الاستمرار ولم يصرح في أول الآية بنحو ذلك بأن يقال: ولقد كانوا يأتون بدل ولقد أتوا للإشارة إلى أن المرور ولو مرة كاف في العبرة فتأمل.
وقوله تعالى: {بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُورًا} إما إضراب عما قبله من عدم رؤيتهم لآثار ما جرى على أهل القرى من العقوبة وبيان لكون عدم اتعاظهم بسبب إنكارهم لكون ذلك عقوبة لمعاصيهم لا لعدم رؤيتهم لآثارها خلا أنه اكتفى عن التصريح بإنكارهم ذلك بذكر ما يستلزمه من إنكار الجزاء الأخروي وقد كنى عن ذلك بعدم رجاء النشور، والمراد بالرجاء التوقع مجازًا كأنه قيل: بل كانوا لا يتوقعون النشور المستتبع للجزاء الأخروي وينكرونه ولا يرون لنفس من النفوس نشورًا أصلًا مع تحققه حتمًا وشموله للناس عمومًا وإطراده وقوعًا فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الإطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك وإنما يحملونه على الاتفاق، وإما انتقال من التوبيخ بما ذكر من ترك التذكير إلى التوبيخ بما هو أعظم منه من عدم رجاء النشور، وحمل الرجاء على التوقع وعموم النشور أوفق بالمقام.
وقيل: هو على حقيقته أعنى انتظار الخير.
والمراد بالنشور نشور فيه خير كنشور المسلمين.
وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف على لغة تهامة، والمراد بالنشور نشورهم والكل كما ترى. اهـ.